الوقاية خير من قنطار
علاج
الوقاية خيرٌ من قنطار علاج، مقولةٌ تعلمناها منذ الصغر وما زلنا نعلّمها
لأبنائنا وصغارنا. الصحة أولاُ، هي ما يبحث عنها صغيرنا وكبيرنا قبل بحثه عن العلم
أو العمل أو السعادة أو أي هدفٍ آخر في الحياة. وقد صدق أجدادنا عندما علّمونا أن
الوقاية هي الحل وأن الصحة هي أول ما ينبغي على الإنسان أن يحافظ عليه. كما نعلم
أن الصحة هي نتاجٌ عن نظام متكامل، نظام يضم ممارسات وعادات وسلوكيات يقوم بها
الفرد من بداية صباحه إلى لحظة نومه، جميعها تتداخل وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر
على الصحة سواء على المستوى الزمني القريب أو البعيد.
هناك العديد من المماراسات والعادات يعتقد الفرد أنها عادية وأنّ ليس لها
أي تأثير على الصحة، إلا أن علم التغذية والمهن الصحية الأخرى استطاعت أن تدرس هذه
الممارسات وتحديد الفائدة أو الضرر منها، كما استطاع تحديد الممارسات والعادات
التي قد تغير حياة الإنسان و صحته إلى الأفضل بعيداُ عن الأمراض والإضطرابات التي
قد تكون مزمنة كالسكري والضغط وأمراض القلب والشرايين وبعض أنواع السراطانات، وأمراض
قد تصيب الإنسان مع التقدم في العمر وغيرها الكثير، كما أننا نعلم أن معظم هذه
الأمراض لا تكفيها العلاجات الدوائية فقط ، إنما لا بد من تغييرات جذرية في نمط
الحياة والسلوكيات التي نمارسها.
ومن هنا، سأتحدث في هذه المقالة عن الممارسات الصحية التي تلعب الدور الأول
في الوقاية من الأمراض والدور الرئيس في الوصول للسعادة الذاتية والراحة الجسدية والنفسية.
v سأتحدث أولا عن
العامل الأساسي والأكبر على الصحة وهو النظام الغذائي وما يتعلق به، وعن أهمية شرب
كميات كافية من الماء
v ثم عن النشاطات
الرياضية واللياقة البدنية وأهميتها وبعض النصائح لزيادة النشاط البدني بشكل عام
v ثم عن
الضغوط النفسية وتأثيرها على الصحة وبعض الطرق للتخلص منها أو تقليل تأثيرها على
الصحة
أتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة
v
المؤثر الأول والأكبر
في صحة الإنسان هو نظامه الغذائي. حجم الوجبة، نوع الطعام وطريقة التحضير هي
العوامل الأكثر تأثيرا على النظام الغذائي للشخص حيث أن حجم الوجبة الكبير واحتواء
الوجبة على أنواع ومجموعات معينة من الأطعمة كالدهون وإضافة الدهون أيضاً خلال
عملية التحضير يعني عدد سعرات حرارية كبير زائد عن حاجة الجسم، مما يؤدي إلى
تراكمها وتخزينها في الجسم على شكل دهون مما يعرض الجسم للعديد من الأمراض المزمنة
كالسكري والضغط وأمراض القلب والشرايين وارتفاع معدل الكوليسترول في الدم وما ينتج
عنها من مضاعفات خطيرة... لذلك لا بد من بعض التغييرات في النظام الغذائي فمثلا:
§
من المهم تقسيم
الوجبات إلى 4-5 وجبات صغيرة تتناولها على مدار اليوم، حيث أن إهمال الوجبات يؤدي
إلى تباطؤ عمليات الأيض في الجسم مما يؤدي إلى زيادة تخزين الدهون، ومن هنا نؤكد
على أهمية تناول وجبة الإفطار خلال أول ساعتين الى ثلاث ساعات من بداية النهار، وذلك
لتحفيز وتنشيط عمليات الأيض والعمليات الحيوية في الجسم. كما أن تناول عدة وجبات
أصغر حجما وتنظيم توقيت تناولها يُقلّل الرغبة في تناول مزيد من الأطعمة، وذلك
يعني طعاماً أقل خلال اليوم مما يحمي من زيادة الوزن و(خلل) عمليات الأيض الذي
يؤدي إلى مشاكل عديدة
§ من الضروري أيضاً تناول
4-5 حبات من الخضار و 2-3 حبات من الفواكه يومياً، حيث أن الخضار والفواكه تحتوي
كميات كبيرة من الألياف مما يعني شبعا لمدة أطول، عدا عن الفوائد العديدة الأخرى
للألياف كتنظيم معدل السكر ومعدل الكوليسترول في الدم، والوقاية من الإمساك
والإسهال، والمحافظة على صحة الأمعاء. كما أن الخضار والفواكه تحتوي معظم العناصر
الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم من معادن وفيتامينات. وقد أثبتت دراسات
عديدة أن تناول الخضار والفواكه بما تحتويه من عناصر غذائية وبما تحتويه من مركبات
كيميائية طبيعية كالفلافنويدات ومضادات السرطنة والأكسدة تحمي الجسم من العديد من
السراطانات والأمراض المزمنة وتساعد على التجديد الدائم لخلايا الجسم
§
بالإضافة لمجموعة
الخضار والفواكه، تعتبر الحبوب الكاملة والبذور مصدراً مهماً للألياف والعناصر
الغذائية حيث تحتوي نواة معظم الحبوب الكاملة والبذور على هذه العناصر، فمثلاً،
يحتوي طحين القمح الكامل على كميات كبيرة من الفيتامينات والمعادن والألياف، على
عكس الطحين الأبيض الذي يتكون من النشويات فقط (في حال عدم تدعيمه بالعناصر
الغذائية صناعياً)، لذلك من الأفضل استبدال الخبز الأبيض بخبز القمح الأسمر، وننصح
أيضاً بإضافة البذور والحبوب الكاملة الأخرى إلى النظام الغذائي قدر الإمكان
للحصول على الإحتياجات الغذائية من فيتامينات ومعادن وألياف، إضافة إلى النشويات
المركبة التي تحتاج وقتا أطول للهضم مما يعني شبعاً لمدة أطول. كما أن هذه
المجموعة تحتوي كمية جيدة من البروتينات وكمية قليلة من الدهون بالحين ذاته ما
يعطي تكاملاً غذائياً مثالياً.
القمح، الشوفان،
الكينوا، الذرة، البرغل والفريكة هي من الأمثلة على الحبوب الكاملة؛ وبذور الكتان،
حبة البركة (الحبة السوداء)، بذور الشيا، السمسم، بذور دوار الشمس وغيرها هي من
الأمثلة على البذور. ولزيادة تناول هذه البذور والحبوب يمكن إضافتها إلى الشوربات
والسلطات، ويمكن أيضاً استبدال الخبز الأبيض بالخبز الأسمر أو خبز الشوفان والبذور،
واستبدال الرز الأبيض بالفريكة أو البرغل أو الرز البني.
§
تلعب أيضا طريقة
تحضير الطعام دوراً كبيراً في تحديد العناصر الغذائية وعدد السعرات الحرارية التي
تحتويها الأطعمة التي نتناولها، فبعض الفيتامينات والمعادن تتأثر بالحرارة وبعضها
يذوب في الماء وبعضها الآخر لا يتأثر أبداً. كما أن طريقة التحضير وطهي الطعام وما
يتم إضافته خلال الطهي يمكن أن يزيد عدد السعرات الحرارية، فمثلاً، القلي بالزيت
يزيد كمية الدهون، خاصة إن تعرض الزيت للحرارة لمدة طويلة ولمرات عديدة فإن نسبة
الدهون المهدرجة المتحولة والدهون المشبعة تزيد في الطعام مما يجعله ضاراً
بالصحة. على عكس شيّ الأطعمة أو سلقها أو طبخها على البخار حيث أن الطهي بهذه
الطرق -على الرغم من أنه قد يؤثر على نسب بعض العناصر الغذائية- إلا أنها تعتبر
صحية
§ من
المهم جداً تناول الحليب أو أحد مشتاقته لأنها تعتبر المصادر الأساسية للكالسيوم،
كما أنها تحتوي كميات جيدة من البروتينات والعناصر الغذائية الأخرى الضرورية لبناء
الجسم، لكن ينبغي الحرص على تناولها قليلة أو خالية من الدسم وذلك لتقليل نسبة
الدهون والكوليسترول.
ومن هنا نذكر أن
وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) قد حددت شكلاً وتقسيماً للمجموعات الغذائية
على طبق الطعام وأسمته (my plate). ويساعد هذا التقسيم
بشكل كبير على جعل الوجبة صحية أكثر، فالفواكه والخضار يجب أن تملأ نصف الطبق، وتأخذ
البقوليات والحبوب الكاملة ربع الطبق، وتأخذ البروتينات الربع الأخير منه،
بالإضافة حصة الحليب أو أحد مشتقاته. ونظرة واحدة على الطبق تساعد في تحديد
الكميات المطلوبة من المجموعات الغذائية المختلفة لتكون وجبة متوازنة صحية متوازنة
تزود الجسم بجميع احتياجاته الغذائية.
v من المهم أيضاً شرب على الأقل 8 كاسات من الماء يوميا
لما لها من فوائد ووظائف وتأثير على الصحة بشكل عام، حيث تدخل وتؤثر في جميع
عمليات الأيض والعمليات الحيوية في الجسم، والدورة الدموية، والتنفس، وامتصاص ونقل
العناصر الغذائية، والتخلص من السموم، وصحة الخلايا الدماغية وغيرها الكثير من
الوظائف. وبالتالي فإن نقص السوائل في الجسم وبشكل متكرر و دائم قد يعرض أعضاءه
لأضرار كبيرة تماماً كنقص أي عنصر غذائي آخر.
v إلى جانب النظام الغذائي، تعد ممارسة الرياضة أحد أهم
الممارسات والعادات التي يجب أن تكون ضمن نمط الحياة الصحية. فوائد الرياضة كثيرة،
منها زيادة معدلات الأيض وبالتالي التحكم بالوزن وحرق الدهون الزائدة المتراكمة في
الجسم، كما أنها تقلل من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة كالسكري والضغط
وأمراض القلب والشرايين، حيث أنها تساعد في تنظيم معدل السكر في الدم، وتحسن من
نسبة الدهون الجيدة (الكوليسترول الجيد HDL)
وتقلل من نسبة الكوليسترول الضار(LDL)، و تعدل ضغط الدم، وممارسة
الرياضة أيضاً تزيد من تدفق الدم والأكسجين لجميع أنسجة الجسم خاصة القلب
والرئتين، مما يعني قوة ونشاط أكبر في جميع أعضاء وأجزاء الجسم. إضافة إلى ذلك، فإن
ممارسة الرياضة تحمي من الإكتئاب وتعدل المزاج وتساعد على الإسترخاء والنوم بشكل
أفضل.
ممارسة نصف ساعة من الرياضة 5 ايام
اسبوعياً كالمشي والركض أو ممارسة تمارين رياضية أخرى تعتبر كافية للحصول على هذه
الفوائد، كما ينبغي زيادة النشاط البدني بشكل عام، كاستخدام السلالم بدلاً من
المصعد الكهربائي أو الذهاب إلى الأماكن القريبة مشياً بدلاً من استخدام وسائل
النقل وغيرها الكثير من الانشطة.
وعلى الصعيد الإقتصادي أيضاّ، فإن توفير
مساحة ومكان مخصص لممارسة الرياضة في الشركات والمؤسسات في وقت الاستراحة أو في
وقت مخصص لذلك، يحسّن الصحة العامة للموظفين والعاملين مما يقلل من نفقات الرعاية
الصحية والتأمينات الصحية، كما أن النشاط الذي تمنحه الرياضة لممارِسِها يزيد من انتاجيته
وفاعليته في العمل والإبداع.
v في حياتنا العملية والعائلية والشخصية، نتعرض يومياً لأحداث
قد تضعنا تحت ضغوط نفسية وتوتر كبير، وإن تكرار التعرض لهذه الضغوطات وعدم
معالجتها أو التخلص منها أو التكيّف معها قد يؤثر على الصحة النفسية والعقلية والجسدية
أيضاً.
يُنتج الجسم هرمونات الأدرينالين والكورتيزول عند التعرض للضغط وذلك يحدث
كرد فعل من الجسم ليمنحه القدرة على مواجهة هذا الضغط أو الحدث والتعامل معه، إلا
أن تكرار ذلك بشكل دائم وعدم معالجة الأمر يؤدي إلى إضعاف خلايا الجهاز المناعي
وبالتالي إضعاف السيطرة على هذه الإستجابة الهرمونية، مما يؤدي إلى تعرض الجسم لإلتهابات
وزيادة حدة التهابات موجودة مسبقاً، مما يجعل الجسم عرضةً للعديد من الأمراض منها
المزمنة وغير المزمنة، وهذا ما يفسر أيضاً استمرار المرض لمدة أطول عند الأشخاص
الذين يعانون من الضغط والتوتر، كما أن الضغط والتوتر يؤثران بشكل كبير على نشاط
الخلايا الدماغية والذاكرة وعملها.
لذلك يجب التخلص من هذه الضغوطات أو التكيف معها بحيث يقل تأثيرها على
الصحة والحياة بشكل عام. ويساعد الخروج للمشي في الهواء الطلق والتعرض لأشعة الشمس
لبعض الوقت على تقليل هذا التوتر، كما أن ممارسة الرياضة وأيضاَ ممارسة نشاطات
جديدة ترفيهية وعملية والنوم الجيد وغيرها يساعد بشكل كبير على تفريغ الطاقات
السلبية والتوتر وذلك يعود بفوائد عظيمة وكثيرة على الصحة على المستويين الزمنيين
القريب والبعيد.
وأنهي مقالتي هنا
بتذكريكم بأن الوقاية خيرٌ من قناطير علاج، وقد ذُكِر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسْبِ ابن آدم لُقيماتٍ
يُقِمنَ صُلبَهُ، فإن كان لا بد فاعلٌ فثُلُثٌ لطعامه وثُلُثٌ لشرابه وثُلُثٌ
لنفسه"
أخصائية التغذية : أ.دعاء نخلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
" وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "
-------------------------------------------
التعليق يعبر فقط عن صاحبه ، ولا يعبر عن رأي المدونة